الفكر الصهيوني بين القهر والخوف

الفكر الصهيوني بين القهر والخوف

  • الفكر الصهيوني بين القهر والخوف

اخرى قبل 2 سنة

الفكر الصهيوني بين القهر والخوف

 

بكر أبوبكر

كانت البداية مع العقل الأوربي الغربي المُظلم الذي لم يستطع أن يتغلّب على سطوة وتمدد الأمة العربية الإسلامية، وقيمها الحضارية المستنيرة والطاغية، فقاوم ورفض وتعصّب، واستبد ثم تمدد واستعمر.

وهي الأمة التي كادت تتنفس من قلب أوربا في النمسا من جهة (القرن 17)، ومن رئة فرنسا من الجهة الأخرى فظهرت علامات الخوف الشديد، والتساؤلات الكبرى في التاريخ البشري بين الغرب المنكوب بجهالته بين الكنيسة والعلم، وبين الاقطاعيين والطبقات الصاعدة، وفي مواجهة الشرق المنير والمخيف بحضاريته سواء تلك الاسلامية أو الصينية أو الهندية.

ولما كان التمدد العربي الاسلامي هو ذو اليد الطولى الى قلب أوربا فإنه تم قرع جرس الانذار الذي سُمع يدق عاليا في أوساط اوربا.

 

خطورة الأمة بعلمها ووحدتها

تجولت السفن الحربية مع التجارية مع الحملات التبشيرية معًا تجوب المحيطات والبحار، وتلتف حول طرق التجارة والحضارة المشرقية وتسجل العناق بين الثلاثي الاستعماري الاستغلالي فنجحت من حيث فشل الآخرون بالنار والحديد والسطوة والاستغلال، وثقافة الاخضاع ووهم التفوق العرقي أوالديني أوالثقافي وكأنهم دعاة الحضارة حصريًا التي لم تكن قبلهم.

لم يكن لمحمد علي باشا الا أن ينتفض على الغرب وعلى الدولة العثمانية الضعيفة حينها، وذلك في القرن 19، فبدأت الخطورة بادية في قوة الأمة العربية والاسلامية الصاعدة تعلو على ما سواها، والتي كادت تزول، لاسيما ومنطق العداء بين الأمم في تلك القرون كان مرتبطًا بالهيلمان والسلطان القمعي، والعوامل الاقتصادية القاهرة، والاستخدام الديني العنيف، والمجد الشخصي كما كان من الاحتلال الفِرنجي (القرن 11-القرن13) لبلادنا المسمى من طرف الغزاة المحتلين بالصليبي.

إن العوامل الاقتصادية وتلك السياسية، بل والثقافية (ما بين التفوق والانبهار)، وتلك الجغرافية حكمت كثير من ظروف الرهبة والخوف الأوربي الاستعماري من الآخر، والذي منها الخشية المستمرة من التوسع الاسلامي أوالتركي أو العربي فلم يكن هناك فرقًا لديهم، فكان لزامًا على العقل الاستعماري الإقصائي المتبجح بذاته، وأبرزه الفرنسي والانجليزي (منذ القرن 18 لاحقًا للاستعمار الاسباني والبرتغالي) أن يشتت ويفرّق ويغزو، وكان لزامًا ان يرسم حدودًا أبدية (جغرافية حضارية) بين شمال البحر المتوسط وجنوبه فلزم التفكير بحاجز أبدي.

فكرة الحاجز والتحالفات

ومن فكرة الحاجز الاستعمارية وفكرة مجابهة الكنيسة بالبرتوتستانتية ذات العمق التوراتي نشأت بذرة الغرس للكيان الغريب في فلسطين، وماذاك الا خدمة أصيلة للفكر الاستعماري المهيمن أولًا.

بكل وضوح تحالفت المسيحية الصهيونية (الانجيلية الصهيونية المتفرعة كجناح عن البروتستانتية) مع المطامع الاستعمارية الأوربية الغربية، ثم لاحقًا مع صنيعتها الحركة الصهيونية لتتخلص من عدو داخلي وعدو خارجي معا.

كان يهود أوربا (في غربها وشرقها بالحقيقة أي تحت حكم الاوربيين الكاثوليك والأرثوذوكس) المضطهدين والمنبوذين من العقلية الاوربية الاستعمارية، عدو أوربا الداخلي الاكبر الذي يقلق صفاءها المسيحي الديني، ثم "العرقي" على مكذبة أنهم عرق منفصل ما تبدى لآباء الصهيونية أن يتبنوه لاحقًا للتبني الاوربي في عصر القوميات ما بعد الحروب الأوربية الطاحنة.

تحالفت الصهيونية الانجيلية منذ "مارتن لوثر" وتجلياته المختلفة مع الفكر الاستعماري الأبيض ثم مع الحركة الصهيونية لزرع العبء الأكبر على كاهل الأمة، ولتبني الحائط العنصري أوالعازل الأبدى في قلب الأمة بعد أن تنقلت الصهيونية في تفكيرها بين أكثر من عشر خيارات من البلدان المختلفة لم يكن منها بلد أوربي واحد؟

 

لماذا ليست أوربا بلد اليهود؟

فلماذا لم تفكّر الاستعمارية الأوربية ومن ثم الصهيونية العالمية ببديل لليهود في وطنهم، أوأوطانهم الأصلية في أوربا؟ إما بفكرة المواطنة، أو بعمل دولة لهم في البلاد التي هم أبناؤها وتشبههم؟

لأن الهدف بإبعاد اليهود عن قلب أوربا لم يكن حُبًا باليهود بقدر ما هو تخلص منهم لأسباب مختلفة دينية في الأساس، ومن ثم اقتصادية وسياسية استعمارية أنمت كراهيتهم عبر القرون الدامية والنابذة لهم.

وهل لمحب أن يطرد محبوبه ويلقي به بعيدًا عنه؟

بالطبع لا.

لم يكن مخطط الطرد أو القذف بعيدًا عن أوربا إلا تخلصًا من اليهود الاوربيين (شرقا وغربا) الذين كانت الكراهية والنبذ لهم تتعزّز أوربيا لاسيما وسيل الاتهامات الذي كان يلاحقهم طوال قرون من أوربا المسيحية ثم الاقطاعية.

وكان أن نشأت "المسألة اليهودية" في القرن 19 ثم العشرين بالهدف الحقيقي للتخلص منهم، والتي كان ممن ناقشها فكريًا كل من برونو باور وماركس ولينين وغيرهم سواء بهدف الحل الانساني، أو التخلص منهم.

كما تصاعدت حملات الكراهية والنبذ وأفكار التخلص أو الإبادة ضد يهود أوربا لأسباب اقتصادية ومشبعة بالإشارات الدينية التاريخية، ثم بعد اتهامهم بقتل القيصر الروسي عام 1881 وارتكاب المذابح الأوربية الشرقية بحقهم، ثم ما تلاها من تململ أوربا وخاصة بريطانيا ومعها أمريكا من الهجرة اليهودية لبلادها، ثم ما كان لاحقًا من المذابح النازية اللاحقة.

 

 

 

تفوق العنصر الأوربي، و"النموذج"

الفكرة الاستعمارية الاوربية في كل إفريقيا وآسيا وفي أمريكا شمالها وجنوبها كانت تحمل فكرة تفوق العنصر الأوربي الأبيض فوق ظهرها، وتلوّح بالسيف و"الكتاب المقدس" بصيغته التوراتية هذا يخدم ذاك، وكله ليس فداء للسيد المسيح عليه السلام وإنما لتثبيت الفكر العنصري وقهر الشعوب.

تم قهر الشعوب باستلاب أراضيها وثرواتها وإلزامها بثقافة المستعمر ولغته قسرًا وهو ما كان من نتائج الاستعمار جنباً الى جنب مع الحفاظ على الهيمنة الاستعمارية بأشكالها المختلفة حتى بعد زوال الاستعمار العسكري الجغرافي فها هو اليوم يتجلى ثقافيا وفكريًا ولغويا وتقانيًا.

وفي القول الأمريكي الواضح والمباشروالفعل المتواتر اليوم (القرن 21) عبر فرض أسلوب المعيشة الموحّد على العالم، بل وفي محاولة فرض النموذج الغربي وكأنه "القدوة" أو "النموذج" الأوحد والذي لا يرقى إليه النقد ولا يجوز فيه الطعن! فقيمُه هي القيم العالمية وحضارتُه فقط هي "النموذج"، وهو ماكان من أفكار مثل صراع الحضارات أو صدامها (لصموئيل هنتنجتون) الذي رأى أن الحضارة الغربية هي الأمل والمنى في مقابل غيرها وخاصة الإسلامية!، ودول المركز والهوامش (لمراجعة كريستيان باولو).

أو دول التقدم مقابل دول التخلف، أو بالمقابل نظرية دول المركز والأطراف كما تطرق لها د.سمير أمين من حيث (وجود مركز قوي يهيمن على باقي أطراف الكرة الأرضية وهذا المركز تقف فيه قوى عالمية متحالفة استراتيجيًا من أجل هدف واحد وهو السيطرة و الهيمنة على كامل دول الأطراف و عدم السماح لها بالانضمام لدول المركز).

 

استغلال الدين اليهودي

سارت الحركة الصهيونية (سرقت اسم الصهيونية عن جبلنا العربي الفلسطيني في القدس) بين الأفكار الاشتراكية! والتحررية (الليبرالية) فأخذت منها ما يناسب احتلال الأرض وطرد سكانها، فلم تختلف عن صنع الاستعمار الأبيض كثيرًا، وقذفت بأفكار لينين وماركس والعمالية بالجحيم حين كان العمال المهاجرون من اليهود في فلسطين هم الأصل، والذين أصبحت الأرض والدولة وقفًا عليهم حصريًا، فاستفادت الصهيونية من المبنى الاشتراكي بجماعيته دون فكرة شموليته للأعراق، لاسيما والاعتراف السوفيتي (الروسي) بقرار التقسيم، وبالكيان منذ اللحظة الأولى لانشائه.

استفادت الحركة الصهيونية من سيف بريطانيا في فلسطين أولًا، ومن الدين اليهودي في جمع عناصر الجذب والالتقاء لمكونات الإثنيات والجنسيات المختلفة ليهود العالم من أوربا وآسيا وغيرها، لتسبغ عليها رابطًا "قوميًا" موهومًا بالحقيقة، فاستأثرت بالرموز مثل اليهودية واسرائيل وصهيون والعبرية، وكأنها شيء واحد وكأنهم وكلاؤها الحصريين أيضًا.

وبالتالي عكست الصهيونية التاريخ التوراتي المشكوك بصحته أو جغرافيته أو دقته- ليعيش بيننا اليوم وكأنه حقيقة قديمة تتواصل حتى اليوم! وبتناسي الخرافة الواضحة والأساطير فيه والمبالغات والاسقاطات كما أشار عديد المؤرخين، أوبتناسي السقوط الجغرافي على واقع فلسطين حسب عديد البحاثة، والى ذلك تناسي آلاف السنين العربية أو الفلسطينية التي سبقت التاريخ التوراتي ذاته، وتلك الآلاف م السنين التي تلته.

يقول الكاتب د.سامح اسماعيل الباحث في العلاقات العربية الإسرائيلية أن: "الصهيونية ظهرت إبان انتشار مباديء التحرر والمساواة في غرب أوربا وأمريكا وهو ما كان يمثل تهديدًا للشخصية اليهودية التي نشأت وتحددت معالمها في المعزَل "الجيتو" الأوربي، ومع استمرار حالة الضغط في وسط وشرق أوربا قامت الصهيونية باستدعاء الموروث الديني وإعادة تقديمه كمبرر لإنهاء معاناة اليهود وأقامة الوطن "القومي" في فلسطين. وساعدت الأحداث السياسية المتلاحقة على ترسيخ فكرة "الوطن القومي" في العقل الجمعي اليهودي كملاذ أخير لليهودي الهائم على وجهه في دروب التيه."

 

 

 

دولة اليهود "القومية"، والتقسيم

كانت الرغبة في إنشاء "دولة اليهود" -عنوان كتاب هرتسل- في أي مكان بالعالم -عدا في أوربا موطنهم- ثم في فلسطين تحديدًا هي بالحقيقة حل أبدي أو نهائي لأجل عيون أوربا العنصرية الاستعمارية وخدمة لها قبل اليهود أنفسهم، وبذلك شكلت ابتعادًا عن أفكار الاندماج ضمن مفاهيم المواطنة في كل بلد هم أبناؤه في أوربا.

ونشأت الفكرة "القومية" في عصر القوميات الأوربية داخل الصهيونية وسعت لفكرة "العلمنة" الشكلية ولعدم هيمنة الحاخامات على مقاليد الحكم لاحقًا، وفي ذات الوقت استخدام كل الرموز والعناصر والأحداث التوراتية كمظلة للدولة الصهيونية ومعرّف لها، وكما برز واضحًا فيما يسمى "إعلان الاستقلال"، وهي الأفكار التي تصبح في القريب (القرن 21) هدفًا لكل الأفكار المتصارعة سواء تلك العلمانية أم الدينية.

يذكر جمال زحالقة عن قرار التقسيم ثم إنشاء الكيان الصهيوني قائلًا أن: "ما حدث عام 1948 لم يكن تحررا من الاستعمار ولا استقلالا (لاسرائيل)، بل أكبر عملية سطو مسلّح في القرن العشرين، تم خلالها الاستيلاء على وطن بأكمله. فقد عملت الحركة الصهيونية عام 1948، على إقامة دولة يهودية في بلاد تقطنها أغلبية عربية فلسطينية، وكان من المستحيل تحقيق هذا الهدف دون استعمال القوّة العسكرية"

وأضاف أن ما تسمى "وثيقة الاستقلال" للكيان هي الوثيقة التأسيسية للدولة العبرية والمحدّدة لطابعها والمعبّرة عن هويّتها وتوجهاتها العامة. وهي تشمل تلخيصا للرواية الصهيونية المركزية حول حلم "شعب" "إسرائيل" بالعودة إلى "وطنه" ...الخ، وهي في جوهرها نص تبريري لإقامة الدولة استنادا إلى محاولة منح بعد قومي للمشاعر الدينية اليهودية، وإلى وعد بلفور الاستعماري وإلى الجزء المتعلّق بإقامة دولة يهودية في قرار التقسيم."

 

 

 

 

نفي الآخر والخوف

الحركة التي قامت على نفي الآخر، بدأت باستخدام الدين بكثافة فباتت تقوننه باستخدامات توراتية تشعرك بالاشمئزاز من ذات الحقيقة الاستعمارية والصهيونية التي لا ترى الآخر؟ فكيف يكون له أي حق وهو غير موجود؟ وإن وجد فلخدمة السيد أو المستعمر؟ او أبن الله المختار للأرض دون غيره من شعوب الأرض؟

هذ الصهيونية ذاتها رغم عديد تجلياتها هي التي استسهلت اللجوء للخداع لأصحاب الأرض، واستجلاب الاعتراف العالمي عبر منصة الانجليزالمحتلين الذين لم يكونوا بحاجة لذلك، إذ أنهم الساعين أصلًا لتحقيق حدث التكوين الاستعماري للدولة منذ القرن 19 وقبل أن يفكر أي يهودي باستعمار فلسطين أو غير فلسطين لأسبابهم الاستعمارية الخالصة.

إن الحركة الصهيونية اليوم التي تظهر وجِلة وخائفة. وتظهر بقساوة المستعمر القديم وبشاعة عنصريته تفهم أن المشروع قد استنفذ أغراضه، وهو ليس لهذا الزمان.

يقول د.رائف زريق: "إن "إسرائيل"‏ بعد سبعة عقود من قيامها، وخصوصاً بعد حرب 1967، ما زال وجودها يُعتبر اعتداء على المنطقة برمّتها. وحالة العداء هذه تزيد في شعورها بالعزلة داخل المنطقة، وترفع منسوب القلق الوجودي لدى سكانها، الأمر الذي يولد ويفاقم الحاجة إلى الاعتماد على قوى خارجية."

ويقول "ابراهام بورغ" رئيس الكنيست السابق: "إنّها دولة تحمل في داخلها عنصريّة توراتيّة مكشوفة تؤيّدها وتدعمها بصورة عمليّة حلقات نشطة وصامتة من التقليديّين المؤمنين بأنّ هذه هي اليهوديّة الصحيحة"، منبّهًا إلى أنّ ثمّة في "إسرائيل" طبقات ومستويات رهيبة من العنصريّة لا تختلف في جوهرها عن تلك الّتي أبادت اليهود".

المشروع الصهيوني وعبر أداتِهِ الضاربة "إسرائيل" بقيمها العنصرية والأبارتهايدية، والمقترب من النازية كما قال بورغ (والاستخدامات الدينية التحريضية الموهومة تاريخيًا) بدا يضعف ويختلف ويتآكل.

ومع كل المحاولات الصهيونية لنقل يهود العالم الى فلسطين تظل أمريكا بيهودها متمنعة بتيارات صهيونية وتلك الرافضة للفكرة، فليست فلسطين ممثلة بالكيان السياسي القائم تحوي يهود العالم، فلكل وطنه، وتظل عديد الجاليات أوالجماعات اليهودية لا ترى ب"إسرائيل" حقيقة الوجود للكل اليهودي الديانة المتنوع عبر العالم، ومازال في العالم من يرى بالصهيونية عدو اليهودية الأول كما كتب "آلان هارت" بكتابه الضخم ذو الأجزء الثلاثة، وكما قدم له المفكر الإسرائيلي "إيلان بابيه" صاحب كُتُب التطهير العرقي، والفلسطينيون المنسيون، وعشر خرافات عن "إسرائيل".

 

دحض خرافة الشعب المختار

دعني أعرج على مصطلح يلقى رواجًا وإن نُسب للتوراة، فهو استغل سياسيًا من قبل البروتستانتية الصهيونية ثم من الحركة الصهيونية بكثافة الإيقاع له على الوقت الحاضر! ما لايقبله لا التاريخ ولا العلم ولا القانون.

مصطلح "الشعب المختار" العنصري واحد من عديد الخرافات الدينية اليهودية التي لا قيمة لها تاريخيا وقانونيا وسياسيا وعلميًا، فدينيًا الخالق لم يكن يومًا عنصريا ولا تاجر عقارات بتاتًا، ليختم أو يسِم "شعب" أو قبيلة بسيئها ومحسنها بختم مقدس أبدي!؟ ولا أن يعطيها وسلالتها غثّها وسمينها أرض دنيوية ما؟! والمقياس عند الله بكل الاديان هو الايمان والعمل الصالح، وهو مقياس فردي أيضًا كل جريرته معه، لا لون العيون ولا البشرة ولا القبيلة أو الشعب.

ولا يوجد أيضًا شيء اسمه قبيلة أو جماعة أو"شعب" مختار أو مصطفى أو شعب الله دون غيره!؟ ما هو عنصرية فاقعة لا تجوز للإله فكيف بالبشر! عدا عن أن قبيلة بني إسرءيل القديمة هي قبيلة عربية بائدة ولا علاقة للمحتلين اليوم لفلسطين بها، فهم بجلّهم من وسط آسيا واوربا أي من عشرات الاثنيات والجنسيات وكما يتبدى واضحًا في كل الكتابات ولنا مع اليهودي الهنغاري أرثر كوستلروكتابه يهود الخزر (قزوين) ثم مع شلومو ساند بكتابية اختراع "الشعب" اليهودي واختراع "أرض إسرائيل" كل الوضوح.

 

 

 

"السامية" والحقيقة

هناك إدعاء أن النسل السامي (منسوب لسام بن نوح) هو اليهودي، ويكذبه أن اليهودية ديانة وليست قومية أي جماعة دينية وليسوا "شعبا" هذا أولاً، أما ثانيا فلو كانت فكرة تقسيم الأعراق (سام، حام، يافث...) هذه صحيحة وهي عرجاء علميًا، فالساميون هم العرب بمن فيهم قبيلة بني إسرءيل القديمة المندثرة، أما الفكرة بمعاداة اليهود التي أطلق عليها معاداة السامية في أوربا، فهي منشأ للكارهين لمواطنيهم من اليهود الأوربيين في مجتمعاتهم هناك، ولا صلة لنا بها.

 

قانون "القومية" وتأسيس جديد

لم يكن تفصيل قانون يكرس مفهوم الديانة كقومية لدى الكيان الإسرائيلي في فلسطين بغض النظر عما أسمته القيادة الاسرائيلية الا خوفًا ورعبًا وشعورًا مكثفًا بعدم الأمن والتهديد الوجودي سواء الحقيقي أو المكرّس من المؤسسة الإسرائيلية من الآخر العربي الفلسطين المتفوق عددًا وقيمًا حضارية، وما كان الا محاولة لاستكمال ما رأته "اعلان الاستقلال" الناقص عام 1948م فكانت "القومية اليهودية" قانون أساس يحق له أن يميز بين أبناء المجتمع الواحد المتشكل داخل "إسرائيل" في تناقض فاضح بين ما كان يُفهم قبل 70 عاما واليوم حيث المواطنة المتساوية هي الحل الكامل، وحيث أعطيت الأقليات وأعطيت الشعوب بالعالم حقها في تقرير المصير.

وعنه قال د.جمال زحالقة النائب العربي السابق في الكنيست:" في عام 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي، قانون "إسرائيل ـ الدولة القومية للشعب اليهودي" الذي أصبح النص المؤسس الجديد للدولة الإسرائيلية، وهو تعبير عن الصهيونية عارية، بلا أقنعة السلام والمساواة والديمقراطية، التي جاءت في "وثيقة الاستقلال" الأصلية. وفي الوثيقتين يرد المبدأ نفسه الناظم للكيان الإسرائيلي، وهو "الحق التاريخي في "أرض" "إسرائيل"" إلّا أن "قانون القومية" يعبّر بشكل أفضل عن جوهر حقيقة "إسرائيل"، بلا رتوش وبلا تجميل". (كان الكاتب الإسرائيلي شلومو ساند ردّ بوضوح على أكذوبة "أرض" اوأكذوبة "شعب" في كتابَيهِ: اختراع الشعب اليهودي، واختراع أرض إسرائيل).

 

تيه وخوف وجودي

كنت تجد الحيرة والتيه مع أولئك المؤسسين الصهاينة التائهين بين الفكرة والدين والقيم والأيديولوجيات وجغرافيًا بين أوغندا أو كينيا أو الارجنتين التي امتدحوا جمالها، أوسيناء أوليبيا أو فلسطين وهم بتيهِهِم ذاك كانوا يستعيدون فكرة التيه التوراتية المضخمة، وتعود بهم اليوم رغم سطوتهم العسكرية والتقانية والنووية بل والإقليمية ليتوهوا بين مختلف التيارات الدينية المتطرفة فيهم ذات العمق التوراتي، وبين تلك التيارات الصهيونية القومية أو الاشتراكية التي تلفظ أنفاسها، وغيرها، وبين "الحل النهائي" وشبح الدولة الفلسطينية وسقوط "الهيكل" قبل أن يظهر هو ومسيحهم الموعود (المشياح).

وقد تجد الخوف بالكيان القائم متمثلًا بما طرحه إلياس شوفاني حين اعتبرت الدولة تائهة أو بلا هوية حيث قال أن: "ثمّة إشكاليّة في صعوبة الجمع بين اليهوديّة والصهيونيّة والديمقراطيّة (المدعاة بالطبع)، فاليهوديّة تتناقض مع الصهيونيّة بوصفها تنطلق من رؤية علمانيّة وقوميّة، والصهيونيّة واليهوديّة تتناقضان مع الديمقراطيّة، فالأولى لكونها عقيدة دينيّة، والثانية لكونها فكرة استيطانيّة عنصريّة، وفي "إسرائيل" الراهنة يستحيل فصل الدين عن الدولة لأنّها صنيعة الصهيونيّة الّتي قامت على الجمع بين الدينيّ والزمنيّ في منطلقاتها الأساسيّة، وبهذا فإنّ محاولة الجمع بين يهوديّة الدولة وديمقراطيّتها في إطار قوميّ يهوديّ جعلت من "إسرائيل" دولة لا هي صهيونيّة فعلًا ولا هي يهوديّة أو ديمقراطيّة كذلك، إنّها دولة بلا هويّة."

ودعنا نوافق الكاتب مجدي حماد بالقول: إنّ توسيع الديمقراطيّة (داخل "اسرائيل") قد يقود إلى مساواة كاملة بين العرب واليهود، وهو أمر لا تتحمّله الهويّة اليهوديّة العنصريّة الّتي تقوم على مفهوم النفي الثقافيّ والوجوديّ معًا.

ويقول الكاتب المخضرم ماجد الكيالي أن: "فكرة "إسرائيل" ذاتها، ومآلات وجودها، باتت مطروحة اليوم للنقاش، وباتت موضع تشكّك رغم ما حققته من نجاحات خلال العقود الماضية، سياسياً واقتصادياً وتقانيًا".

وفي جميع الأحوال تحقق الهدف الاستعماري الغربي الأصلي بتدمير الأمة وزرع الكيان، ورغم كل الهيلمان المتحقق يظل الخوف الوجودي وفكرة التهديد الأمني الدائم للدولة الإسرائيلية هو الأصل وهو الضابط لمسار الخلاف وعامل الجذب أوالتماسك الذي تصرّ علي بعثه المؤسسة الصهيونية الإسرائيلية، ولا تبتعد عنها الفكرة الاستعمارية الأوربية الأمريكية.

يقول الشاعر العربي

دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغوا/جَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم/وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه/لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا

في ظل المتغيرات الدولية (المحاور الصاعدة الى جانب أمريكا، وخاصة الصين وروسيا) والاقليمية الداهمة فإن نظرة سريعة على المستقبل، وعلى مآلات المشروع الصهيوني في فلسطين تنبيء بضرورة بزوغ فهم جديد لدى الصهاينة الجدد، أو لدى التقدميين الإسرائيليين على قلتهم اليوم، وضرورة عودة الوعي والفهم العربي الموحد، والفلسطيني والإسلامي الجديد، وإلا فإن الاحداث قد تدهمهم ويفوتهم موسم الحصاد.

إن التقاط التمر أوبزوغ شمس الحقيقة العربية الفلسطينية الساطعة ستستمر بالبزوغ-وستحقق الهدف وفق مقولة الشاعر العربي الذي ذكرنا أبياته الجميلة أعلاه- وتدخل كل بيت في العالم دون عوائق مادام هذا الشعب البطل يكرس فكرة الإيمان الذي لاتزلزله الجبال، ويكرس أنه طليعة هذه الأمة ورأس السهم فيها نحو الحرية والوحدة والتقدم، ويمارس الصمود والرباط والثبات في الأرض وبالثبات على الرواية والقيم الحضارية الأصيلة، والمثابرة والديمومة التي لاتؤثر فيها الأعاصير.

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات على خبر: الفكر الصهيوني بين القهر والخوف

حمل التطبيق الأن